الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
[المزمل: 20] فبعض هذه الأقسام قريب من بعض فكذا هاهنا. وقال الزجاج الأولى حمله على ثلاث وثلاثين سنة لأن هذا الوقت الذي يكمل فيه بدن الإنسان. وأقول تحقيق الكلام في هذا الباب أن يقال إن مراتب سن الحيوان ثلاثة. وذلك لأن بدن الحيوان لا يتكون إلا برطوبة غريزية وحرارة غريزية. ولا شك أن الرطوبة الغريزية غالبة في أول العمر وناقصة في آخر العمر. والأنتقال من الزيادة إلى النقصان لا يعقل حصو له إلا إذا حصل الاستواء في وسط هاتين المدتين. فثبت أن مدة العمر منقسمة إلى ثلاثة أقسام أولها: أن تكون الرطوبة الغريزية زائدة على الحرارة الغريزية وحينئذ تكون الأعضاء قابلة للتمدد في ذواتها و للزيادة بحسب الطو ل والعرض والعمق وهذا هو سن النشوء والنماء.والمرتبة الثانية: وهي المرتبة المتوسطة أن تكون الرطوبة الغريزية وافية بحفظ الحرارة الغريزية من غير زيادة ولا نقصان وهذا هو سن الوقوف وهو سن الشباب.والمرتبة الثالثة: وهي المرتبة الأخيرة أن تكون الرطوبة الغريزية ناقصة عن الوفاء بحفظ الحرارة الغريزية ثم هذا النقصان على قسمين فالأول: هو النقصان الخفي وهو سن الكهو لة والثاني: هو النقصان الظاهر وهو سن الشيخوخة. فهذا ضبط معلوم.ثم هاهنا مقدمة أخرى وهي أن دور القمر إنما يكمل في مدة ثمانية وعشرين يومًا وشيء. فإذا قسمنا هذه المدة بأربعة أقسام كان كل قسم منها سبعة فلهذا السبب قدروا الشهر بالأسابيع الأربعة. و لهذه الأسابيع تأثيرات عظيمة في اختلاف أحوال هذا العالم. إذا عرفت هذا فنقول إن المحققين من أصحاب التجارب قسموا مدة سن النماء والنشوء إلى أربعة أسابيع ويحصل للادمي بحسب انتهاء كل سابوع من هذه السوابيع الأربعة نوع من التغير يؤدي إلى كماله أما عند تمام السوابيع الأول من العمر فتصلب أعضاءه بعض الصلابة. وتقوى أفعاله أيضًا بعض القوة. وتتبدل أسنانه الضعيفة الواهية بأسنان قوية وتكون قوة الشهوة في هذا السابوع أقوى في الهضم مما كان قبل ذلك. وأما في نهاية السابوع الثاني فتقوى الحرارة وتقل الرطوبات وتتسع المجاري وتقوى قوة الهضم وتقوى الأعضاء وتصلب قوة وصلابة كافية ويتو لد فيه مادة الزرع. وعند هذا يحكم الشرع عليه بالبلوغ على قول الشافعي رضي الله عنه. وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه. لأن هذا الوقت لما قويت الحرارة الغريزية قلت الرطوبات واعتدل الدماغ فتكمل القوى النفسانية التي هي الفكر والذكر. فلا جرم يحكم عليه بكمال العقل. فلا جرم حكمت الشريعة بالبلوغ وتوجه التكاليف الشرعية فما أحسن قول من ضبط البلوغ الشرعي بخمس عشرة سنة.واعلم أنه يتفرع على حصو ل هذه الحالة أحوال في ظاهر البدن أحدها: انفراق طرف الأرنبة لأن الرطوبة الغريزية التي هناك تنتقص فيظهر الأنفراق وثانيها: نتوء الحنجرة وغلظ الصوت لأن الحرارة التي تنهض في ذلك الوقت توسع الحنجرة فتنتوء ويغلظ الصوت وثالثها: تغير ريح الإبط وهي الفضلة العفينة التي يدفعها القلب إلى ذلك الموضع وذلك لأن القلب لما قويت حرارته. لا جرم قويت على إنضاج المادة. ودفعها إلى اللحم الغددي الرخوالذي في الإبط ورابعها: نبات الشعر وحصو ل الاحتلام. وكل ذلك لأن الحرارة قويت فقدرت على تو ليد الأبخرة المو لدة للشعر وعلى تو ليد مادة الزرع. وفي هذا الوقت تتحرك الشهوة في الصبايا وينهد ثديهن وينزل حيضهن وكل ذلك بسبب أن الحرارة الغريزية التي فيهن قويت في آخر هذا السابوع. وأما في السابوع الثالث فيدخل في حد الكمال وينبت للذكر اللحية ويزداد حسنه وكماله. وأما في السابوع الرابع فلا تزال هذه الأحوال فيه متكاملة متزايدة. وعند انتهاء السابوع الرابع نهاية أن لا يظهر الازدياد. أما مدة سن الشباب وهي مدة الوقوف السابوع واحد فيكون المجموع خمسة وثلاثين سنة.ولما كانت هذه المدة إما قد تزداد. وإما قد تنقص بحسب الأمزجة جعل الغاية فيه مدة أربعين سنة.وهذا هو السن الذي يحصل فيه الكمال اللائق بالإنسان شرعًا وطبًا. فإن في هذا الوقت تسكن أفعال القوى الطبيعية بعض السكون وتنتهي له أفعال القوة الحيوانية غايتها. وتبتدىء أفعال القوة النفسانية بالقوة والكمال. وإذا عرفت هذه المقدمة ظهر لك أن بلوغ الإنسان وقت الأشد شيء وبلوغه إلى الأربعين شيء آخر. فإن بلوغه إلى وقت الأشد عبارة عن الوصو ل إلى آخر سن النشوء والنماء. وأن بلوغه إلى الأربعين عبارة عن الوصو ل إلى آخر مدة الشباب. ومن ذلك الوقت تأخذ القوى الطبيعية والحيوانية في الأنتقاص. وتأخذ القوة العقلية والنطقية في الاستكمال وهذا أحد ما يدل على أن النفس غير البدن. فإن البدن عند الأربعين يأخذ في الأنتقاص. والنفس من وقت الأربعين تأخذ في الاستكمال. ولوكانت النفس عين البدن لحصل للشيء الواحد في الوقت الواحد الكمال والنقصان وذلك محال. وهذا الكلام الذي ذكرناه و لخصناه مذكور في صريح لفظ القرآن. لأنا بينا أن عند الأربعين تنتهي الكمالات الحاصلة بسبب القوى الطبيعية والحيوانية. وأما الكمالات الحاصلة بحسب القوى النطقية والعقلية فإنها تبتدىء بالاستكمال. والدليل عليه قوله تعالى: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى والدي} فهذا يدل على أن توجه الإنسان إلى عالم العبودية والاشتغال بطاعة الله إنما يحصل من هذا الوقت. وهذا تصريح بأن القوة النفسانية العقلية النطقية إنما تبتدىء بالاستكمال من هذا الوقت فسبحان من أودع في هذا الكتاب الكريم هذه الأسرار الشريفة المقدسة. قال المفسرون لم يبعث نبي قط إلا بعد أربعين سنة. وأقول هذا مشكل بعيسى عليه السلام فإن الله جعله نبيًا من أول عمره إلا أنه يجب أن يقال الأغلب أنه ما جاءه الوحي إلا بعد الأربعين. وهكذا كان الأمر في حق رسو لنا صلى الله عليه وسلم ويروى أن عمر بن عبد العزيز لما بلغ أربعين سنة كان يقول: اللّهم أوزعني أن أشكر نعمتك... إلى تمام الدعاء. وروي أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«يؤمر الحافظان أن أرفقا بعبدي من حداثة سنه. حتى إذا بلغ الأربعين قيل احفظا وحققا» فكان راوي هذا الحديث إذا ذكر هذا الحديث بكى حتى تبتل لحيته رواه القاضي في (التفسير).المسألة الثانية:اعلم أن قوله: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} يدل على أن الإنسان كالمحتاج إلى مراعاة الوالدين له إلى قريب من هذه المدة. وذلك لأن العقل كالناقص. فلا بد له من رعاية الأبوين على رعاية المصالح ودفع الافات. وفيه تنبيه على أن نعم الوالدين على الولد بعد دخوله في الوجود تمتد إلى هذه المدة الطويلة. وذلك يدل على أن نعم الوالدين كأنه يخرج عن وسع الإنسان مكافأتهما إلا بالدعاء والذكر الجميل.ذالمسألة الثالثة:حكى الواحدي عن ابن عباس وقوم كثير من متأخري المفسرين ومتقدميهم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قالوا والدليل عليه أن الله تعالى قد وقت الحمل والفصال هاهنا بمقدار يعلم أنه قد ينقص وقد يزيد عنه بسبب اختلاف الناس في هذه الأحوال فوجب أن يكون المقصود منه شخصًا واحدًا حتى يقال إن هذا التقدير اخبار عن حاله فيمكن أن يكون أبو بكر كان حمله وفصاله هذا القدر.ثم قال تعالى في صفة ذلك الإنسان {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى والدي} ومعلوم أنه ليس كل إنسان يقول هذا القول. فوجب أن يكون المراد من هذه الآية إنسانًا معينًا قال هذا القول. وأما أبو بكر فقد قال هذا القول في قريب من هذا السن. لأنه كان أقل سنًا من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وشيء. والنبي صلى الله عليه وسلم بعث عند الأربعين وكان أبو بكر قريبًا من الأربعين وهو قد صدق النبي صلى الله عليه وسلم وامن به. فثبت بما ذكرناه أن هذه الآيات صالحة لأن يكون المراد منها أبو بكر. وإذا ثبت القول بهذه الصلاحية فنقول: ندعي أنه هو المراد من هذه الآية. ويدل عليه أنه تعالى قال في آخر هذه الآية {أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم فِي أصحاب الجنة} وهذا يدل على أن المراد من هذه الآية أفضل الخلق لأن الذي يتقبل الله عنه أحسن أعماله ويتجاوز عن كل سيئاته يجب أن يكون من أفاضل الخلق وأكابرهم. وأجمعت الأمة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أبو بكر وإما علي. ولا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن هذه الآية إنما تليق بمن أتى بهذه الكلمة عند بلوغ الأشد وعند القرب من الأربعين. وعلي بن أبي طالب ما كان كذلك لأنه إنما امن في زمان الصبا أو عند القرب من الصبا. فثبت أن المراد من هذه الآية هو أبو بكر. والله أعلم.المسألة الرابعة:قوله تعالى: {أَوْزِعْنِي} قال ابن عباس معناه ألهمني. قال صاحب (الصحاح) أوزعته بالشيء أغريته به فأوزع به فهو موزع به أي مغرى به. واستوزعت الله شكره. فأوزعني أي استلهمته فألهمني.المسألة الخامسة:اعلم أنه تعالى حكى عن هذا الداعي أنه طلب من الله تعالى ثلاثة أشيئاء: أحدها: أن يوفقه الله للشكر على نعمه والثاني: أن يوفقه للإتيان بالطاعة المرضية عند الله الثالث: أن يصلح له في ذريته. وفي ترتيب هذه الأشيئاء الثلاثة على الوجه المذكور وجهان: الأول: أنا بينا أن مراتب السعادات ثلاثة أكملها النفسانية وأوسطها البدنية وأدونها الخارجية والسعادات النفسانية هي اشتغال القلب بشكر الاء الله ونعمائه. والسعادات البدنية هي اشتغال البدن بالطاعة والخدمة. والسعادات الخارجية هي سعادة الأهل والولد. فلما كانت المراتب محصورة في هذه الثلاثة لا جرم رتبها الله تعالى على هذا الوجه.والسبب الثاني: لرعاية هذا الترتيب أنه تعالى قدم الشكر على العمل. لأن الشكر من أعمال القلوب. والعمل من أعمال الجوارح. وعمل القلب أشرف من عمل الجارحة. وأيضًا المقصود من الأعمال الظاهرة أحوال القلب قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] بين أن الصلاة مطلوبة لأجل أنها تفيد الذكر. فثبت أن أعمال القلوب أشرف من أعمال الجوارح. والأشرف يجب تقديمه في الذكر. وأيضًا الاشتغال بالشكر اشتغال بقضاء حقوق النعم الماضية. والاشتغال بالطاعة الظاهرة اشتغال بطلب النعم المستقبلة. وقضاء الحقوق الماضية يجري مجرى قضاء الدين. وطلب المنافع المستقبلة طلب للزوائد.ومعلوم أن قضاء الدين مقدم على سائر المهمات. فلهذا السبب قدم الشكر على سائر الطاعات. وأيضًا أنه قدم طلب التوفيق على الشكر. وطلب التوفيق على الطاعة على طلب أن يصلح له ذريته. وذلك لأن المطلوبين الأولين اشتغال بالتعظيم لأمر الله. والمطلوب الثالث اشتغال بالشفقة على خلق الله. ومعلوم أن التعظيم لأمر الله يجب تقديمه على الشفقة على خلق الله.المسألة السادسة:قال أصحابنا إن العبد طلب من الله تعالى أن يلهمه الشكر على نعم الله. وهذا يدل على أنه لا يتم شيء من الطاعات والأعمال إلا بإعانة الله تعالى. ولوكان العبد مستقلًا بأفعاله لكان هذا الطلب عبثًا. وأيضًا المفسرون قالوا المراد من قوله: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} هو الآيمان أو الآيمان يكون داخلًا فيه. والدليل عليه قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6. 7] والمراد صراط الذين أنعمت عليهم بنعمة الآيمان وإذا ثبت هذا فنقول العبد يشكر الله على نعمة الآيمان. فلوكان الآيمان من العبد لا من الله لكان ذلك شكرًا لله تعالى على فعله لا على فعل غيره. وذلك قبيح لقوله تعالى: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [ال عمران: 188] فإن قيل: فهب أن يشكر الله على ما أنعم به عليه فكيف يشكره على النعم التي أنعم بها على والديه؟ وإنما يجب على الرجل أن يشكر ربه على ما يصل إليه من النعم. قلنا كل نعمة وصلت من الله تعالى إلى والديه. فقد وصل منها أثر إليه فلذلك وصاه الله تعالى على أن يشكر ربه على الأمرين.وأما المطلوب الثاني: من المطالب المذكورة في هذا الدعاء. فهو قوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه}.واعلم أن الشيء الذي يعتقد أن الإنسان فيه كونه صالحًا على قسمين: أحدهما: الذي يكون صالحًا عنده ويكون صالحًا أيضًا عند الله تعالى والثاني: الذي يظنه صالحًا ولكنه لا يكون صالحًا عند الله تعالى. فلما قسم الصالح في ظنه إلى هذين القسمين طلب من الله أن يوفقه لأن يأتي بعمل صالح يكون صالحًا عند الله ويكون مرضيًا عند الله.والمطلوب الثالث: من المطالب المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِى في ذُرّيَّتِى} لأن ذلك من أجل نعم الله على الوالد. كما قال إبراهيم عليه السلام: {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} [إبراهيم: 35] فإن قيل ما معنى {فِي} في قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرّيَّتِي}؟ قلنا تقدير الكلام هب لي الصلاح في ذريتي وأوقعه فيهم.واعلم أنه تعالى لما حكى عن ذلك الداعي. أنه طلب هذه الأشيئاء الثلاثة. قال بعد ذلك {إِنّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّي مِنَ المسلمين} والمراد أن الدعاء لا يصح إلا مع التوبة. وإلا مع كونه من المسلمين فتبين أني إنما أقدمت على هذا الدعاء بعد أن تبت إليك من الكفر ومن كل قبيح. وبعد أن دخلت في الإسلام والأنقياد لأمر الله تعالى و لقضائه.واعلم أن الذين قالوا إن هذه الآية نزلت في أبي بكر. قالوا إن أبا بكر أسلم والداه. ولم يتفق لأحد من الصحابة والمهاجرين إسلام الأبوين إلا له. فأبوه أبوقحافة عثمان بن عمرو وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو. وقوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه} قال ابن عباس فأجابه الله إليه فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة ولم يترك شيئًا من الخير إلا أعانه الله عليه. وقوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرّيَّتِي} قال ابن عباس لم يبق لأبي بكر و لد من الذكور والأناث إلا وقد آمنوا. ولم يتفق لأحد من الصحابة أن أسلم أبواه وجميع أولاده الذكور والأناث إلا لأبي بكر.ثم قال تعالى: {أولئك} أي أهل هذا القول {الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ} قرئ بضم الياء على بناء الفعل للمفعول وقرئ بالنون المفتوحة. وكذلك نتجاوز وكلاهما في المعنى واحد. لأن الفعل وإن كان مبنيًا للمفعول فمعلوم أنه لله سبحانه وتعالى. فهو كقوله: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] فبيّن تعالى بقوله: {أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} أن من تقدم ذكره ممن يدعوبهذا الدعاء. ويسلك هذه الطريقة التي تقدم ذكرها {نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ} والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله. فإن قيل ولم قال تعالى: {أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} والله يتقبل الأحسن وما دونه؟ قلنا الجواب من وجوه الأول: المراد بالأحسن الحسن كقوله تعالى: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} [الزمر: 55] كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان. أي عادلا بني مروان الثاني: أن الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب والأحسن ما يغاير ذلك. وهو وكل ما كان مندوبًا واجبًا.ثم قال تعالى: {وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم} والمعنى أنه تعالى يتقبل طاعاتهم ويتجاوز عن سيئاتهم.ثم قال: {فِي أصحاب الجنة} قال صاحب (الكشاف) ومعنى هذا الكلام مثل قولك: أكرمني الأمير في مائتين من أصحابه. يريد أكرمني في جملة من أكرم منهم وضمني في عدادهم. ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين منهم. وقوله: {وَعْدَ الصدق} مصدر مؤكد. لأن قوله: {نتقبل}. {نتجاوز} وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز. والمقصود بيان أنه تعالى يعامل من صفته ما قدمناه بهذا الجزاء. وذلك وعد من الله تعالى فبيّن أنه صدق ولا شك فيه. اهـ.
|